الخرطوم - تقارير خاصة
في تطور خطير يكشف عمق الانقسامات داخل التنظيم الإخواني السوداني، قُتل أحمد كرتي، الشقيق الأصغر للقيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين السودانية، علي كرتي، إثر استهدافه بطائرة مسيّرة في منطقة أم درمان. وتُشير مصادر مطّلعة إلى أن عملية الاغتيال جاءت في سياق تصفية حسابات داخلية، دبّرها جناح إخواني منافس لعلي كرتي، وسط اشتداد الصراع على النفوذ والقيادة داخل بقايا حزب المؤتمر الوطني المحلول.
اغتيال بطائرة مسيّرة.. وتوقيت مريب
وقعت عملية الاستهداف بعد ساعات فقط من تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها علي كرتي، هاجم خلالها أجنحة منافسة داخل ما تبقى من بنية المؤتمر الوطني، وعلى رأسها جناح القيادي السابق إبراهيم محمود، المعروف بتحالفه الوثيق مع نافع علي نافع، أحد أبرز رجال الظل في النظام البائد.
تصريحات كرتي، التي اتّسمت بالحدة والوضوح، انتقدت علنًا تحركات هذا الجناح ومحاولته الاستفراد بقيادة بقايا التنظيم، متهمًا إيّاه بالعمل على اختراق الجيش والتحكم في القرار السياسي خلف الستار، وهي اتهامات غير مسبوقة في حدّتها، حتى داخل الدوائر المغلقة.
الصراع بين "الظلال" و"القيادة"
تشير التحليلات إلى أن اغتيال أحمد كرتي لم يكن مجرّد حادث أمني عابر، بل هو رسالة دموية لعلي كرتي من خصومه داخل الجماعة، وعلى رأسهم جناح إبراهيم محمود ونافع علي نافع، اللذان يتهمان كرتي بالسعي لإعادة ترتيب البيت الإخواني لصالحه، والإطاحة برموز قديمة اعتبرت نفسها صاحبة الشرعية الثورية والولاء "الأمني العميق" للنظام البائد.
ويرى مراقبون أن جناح نافع يحظى بدعم استخباراتي إقليمي، ويملك نفوذاً كبيراً داخل الشبكات الأمنية والتمويلية، مما جعله أكثر قدرة على تنفيذ عمليات نوعية مثل استهداف أحمد كرتي، رغم قربه من دوائر الحماية الخاصة بعلي كرتي نفسه.
الإخوان في السودان: تنظيم في طور الانهيار
يأتي هذا الاغتيال في وقت يشهد فيه التنظيم الإخواني في السودان حالة من التفكك غير المسبوق، حيث تشهد صفوفه انشقاقات حادة، بين تيارات تدعو إلى إعادة التموضع داخل المشهد السياسي من بوابة المصالحة مع العسكر، وأخرى تصرّ على مواصلة اختراق الدولة من خلال التحالفات القديمة والأجهزة العميقة.
كما يعيش المؤتمر الوطني المحلول –الواجهة السياسية للتنظيم– حالة من التشظي، إذ لم تنجح حتى الآن محاولات توحيد الصفوف تحت قيادة موحدة، خاصة بعد خروج الكثير من كوادره إما إلى خارج البلاد أو إلى أحضان الجماعات المسلحة.
رسائل متعددة.. وسيناريوهات مفتوحة
اغتيال أحمد كرتي يرسل رسائل عدّة: الأولى لعلي كرتي نفسه، مفادها أن خصومه داخل الجماعة لن يترددوا في استهدافه شخصيًا إن اقتضت الحاجة. والثانية إلى أتباع التنظيم، بأن زمن الولاءات التقليدية قد انتهى، وأن الصراع القادم سيكون بلا قواعد. أما الرسالة الأهم، فهي للمراقبين في الداخل والخارج، بأن الجماعة التي عُرفت تاريخيًا بالتماسك والانضباط التنظيمي، أصبحت اليوم عاجزة عن ضبط صفوفها، بل صارت تتحوّل تدريجيًا إلى مجموعة من المليشيات المتصارعة.
من يملك قرار الجماعة؟
يبقى السؤال الأهم: من يملك زمام الأمور داخل الجماعة الإخوانية في السودان بعد هذا التحول؟
هل سيتمكّن علي كرتي من الصمود أمام هذا التصعيد، أم أن جناح إبراهيم محمود ونافع علي نافع يتجه فعلاً لحسم المعركة بالقوة؟
وما مصير التنظيم الإخواني في السودان إذا استمرت هذه الحرب الداخلية التي تتغذى على الدم والخيانة؟
الأكيد أن ما بعد اغتيال أحمد كرتي لن يشبه ما قبله، وأن السودان يعيش اليوم لحظة فارقة في تاريخ التنظيم الذي حكمه لعقود... ثم شرع في التهام نفسه.