مناورة الجيش السوداني: موافقة البرهان على الوساطة التركية وتخطيطه لضرب عناصر النظام السابق

 


في خطوة مفاجئة، أعلن وزير الخارجية السوداني، علي يوسف، في الخامس من يناير 2025، أن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد وافق على المبادرة التركية للوساطة بين السودان ودولة الإمارات. وتتضمن المبادرة، وفقًا للتسريبات، وقفًا لإطلاق النار لمدة عام، إضافةً إلى تسوية للصراع تقوم على خروج قوات الدعم السريع من ولايتي الخرطوم والجزيرة، مقابل منح إقليم دارفور حكماً ذاتياً.

إلا أن ما يلفت الانتباه في هذا التطور ليس فقط مضمون التسوية المقترحة، بل التحركات الموازية التي بدأ الجيش السوداني الإعداد لها، والتي تشير إلى نية البرهان تنفيذ حملة اعتقالات واسعة ضد عناصر النظام السابق، في محاولةٍ لإعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري وفقاً لمقتضيات المبادرة التركية.

الجيش والمناورة المزدوجة

لطالما شكلت العلاقة بين البرهان وعناصر النظام السابق، وعلى رأسهم كوادر الحركة الإسلامية، نقطة جدل في المشهد السوداني. فمن جهة، استند الجيش على نفوذهم السياسي والاقتصادي خلال السنوات الماضية، ومن جهة أخرى، وجد نفسه مضطراً للتخلي عنهم كلما اقتضت الظروف الدولية والإقليمية ذلك. والآن، يبدو أن الوساطة التركية أوجدت للبرهان فرصة جديدة للتخلص من بعض الوجوه التي أصبحت عبئًا سياسياً عليه، لا سيما في ظل الضغوط الإقليمية المتزايدة عليه لتقديم تنازلات حقيقية.

ما وراء قرار الاعتقالات؟

توقيت هذه الحملة المحتملة يعكس رغبة الجيش في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:

  1. إظهار جدية التفاوض: يسعى البرهان إلى تقديم نفسه كطرف قادر على فرض الاستقرار في السودان عبر إجراءات "إصلاحية" تشمل إزاحة الشخصيات التي باتت تُتهم بعرقلة الحلول السياسية.
  2. ضمان مكاسب سياسية ودبلوماسية: عبر التخلص من بعض رموز النظام السابق، يحاول الجيش إقناع المجتمع الدولي بأنه يتجه نحو تنفيذ إصلاحات حقيقية، مما قد يسهل الحصول على دعم سياسي واقتصادي.
  3. تعزيز قبضته الداخلية: أي تسوية سياسية تتطلب إعادة ترتيب مراكز القوى، لذا فإن إضعاف نفوذ الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية والأمنية سيمنح البرهان فرصة أكبر لتثبيت سلطته.

حكم ذاتي في دارفور: مناورة أم تنازل حقيقي؟

النقطة الأخرى المثيرة للجدل في المبادرة التركية تتعلق بقبول الجيش منح إقليم دارفور حكماً ذاتياً مقابل انسحاب الدعم السريع من الخرطوم والجزيرة. فعلى الرغم من أن هذا الطرح قد يبدو كحل واقعي، إلا أنه في جوهره يعكس تغييراً جذرياً في موازين القوى. فالموافقة على حكم ذاتي تعني الاعتراف الضمني بوجود قيادة سياسية وعسكرية مستقلة للدعم السريع، وهو ما يضعف سلطة الجيش المركزية على الإقليم، ويثير تساؤلات حول مستقبل السودان كدولة موحدة.

من الواضح أن موافقة البرهان على المبادرة التركية ليست مجرد انفتاح على الحلول السياسية، بل هي جزء من مناورة أوسع تهدف إلى إعادة رسم خارطة النفوذ داخل السودان. فبينما تبدو التنازلات المقدمة وكأنها تهدف إلى إنهاء الحرب، فإن الخطوات الموازية التي يخطط لها الجيش، وعلى رأسها استهداف عناصر النظام السابق، تكشف عن صراع داخل مراكز القوى نفسها، حيث يسعى كل طرف إلى تثبيت موقعه قبل أن يُفرض عليه واقع سياسي جديد.

إرسال تعليق

أحدث أقدم