الحركات المسلحة بين مطرقة الجيش وسندان السلطة: الفاشر نموذجًا لانتهاكات المدنيين

 


في ظل استمرار الحرب التي تمزق السودان منذ أكثر من عام، تطفو على السطح مؤشرات جديدة تكشف عن تصدعات داخل معسكر بورتسودان، حيث تصاعدت حدة الخلافات بين قادة الجيش السوداني والحركات المسلحة التي انضوت سابقًا تحت مظلة اتفاق جوبا للسلام. هذه الخلافات، التي بدأت بإجراءات الجيش القاسية، مثل وقف عمليات التجنيد وطرد الحركات من شمال وشرق البلاد، وحرمانها من التسليح، تكشف عن صراع مصالح عميق يتجاوز مجرد التحالفات العسكرية.

مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تحولت إلى مسرح جديد لمعاناة المدنيين. فوفقًا لتقارير ميدانية وشهادات من النازحين، عمدت الحركات المسلحة إلى منع خروج المدنيين من المدينة، في خطوة تكتيكية تهدف إلى استخدامهم كدروع بشرية أمام تقدم قوات الدعم السريع.

هذه الممارسات، التي تتعارض مع أبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني، تسلط الضوء على درجة الاستهتار بأرواح الأبرياء، وتحويل المدن إلى متاريس بشرية بغرض الحفاظ على المواقع والامتيازات.

الأدهى والأخطر، هو ما كشفته الوقائع الميدانية داخل معسكري أبوشوك وزمزم للنازحين، حيث وُجدت بطاقات عسكرية وأسلحة ثقيلة بحوزة عناصر تتبع للحركات المسلحة. تحويل هذه المعسكرات من أماكن مخصصة للحماية والإيواء إلى قواعد انطلاق عسكرية، يشكل جريمة مزدوجة بحق النازحين والمجتمع الدولي، ويفقد هذه الأماكن صفتها الإنسانية.

تستميت الحركات المسلحة في المحافظة على وجودها في إقليم دارفور، وبالأخص في مدينة الفاشر، ليس من باب حماية المدنيين أو الدفاع عن قضيتهم، بل في محاولة يائسة لضمان استمرار نفوذها داخل حكومة بورتسودان. وهذا يفسر تمسكها بالبقاء على الأرض، حتى ولو كان الثمن هو دماء الأبرياء ومعاناة النازحين.

في ظل هذه المعطيات، لم يعد كافيًا الحديث عن "نزاع داخلي" أو "صراع مصالح". ما يحدث في الفاشر ومعسكرات النزوح هو استغلال فج للمدنيين وانتهاك صارخ للقانون الدولي، ويتطلب من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية موقفًا واضحًا وحازمًا. فاستمرار الصمت، يعني شراكة ضمنية في الجريمة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم