الجيش السوداني والتخلي عن الحركات المسلحة: خيانة مُتجددة لخدمة الإسلاميين

 


في خطوة تكشف الوجه الحقيقي لمؤسسة الجيش السوداني تحت قيادة عبد الفتاح البرهان، ناقش اجتماع هيئة الأركان برئاسة الفريق محمد عثمان الحسين التحفظ على دور البرهان في تسليح الحركات المسلحة، وانتهى بالاتفاق على وقف أي عمليات تجنيد خارج الجيش، في إشارة واضحة إلى التخلي عن هذه الحركات بعد استخدامها كوقود للحرب. هذه التطورات لم تأتِ من فراغ، بل تعكس إستراتيجية الجيش القائمة على الانتهازية، والتلاعب بالكيانات المسلحة، وصولاً إلى تنفيذ أجندات الإسلاميين الذين يسعون للانفراد بالسلطة.

توريط الحركات المسلحة واستنزافها في حرب عبثية

على مدى الشهور الماضية، استغل الجيش الحركات المسلحة كأداة قذرة في حربه ضد قوات الدعم السريع، زاجًّا بها في معارك لا تخدم سوى بقاء البرهان ونظامه. فقد وجد الجيش في هذه الحركات فرصة لتعزيز صفوفه المنهارة، دون اكتراث لمصير المقاتلين أو مستقبل هذه الفصائل التي استُنزفت في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل. واليوم، بعدما أدّت دورها، يقرر الجيش التنصل عنها، وكأنها مجرد قطع شطرنج استُخدمت ثم أُلقيت جانبًا.

تنفيذ أوامر الإسلاميين: السلطة مقابل الحلفاء

قرار هيئة الأركان بالتخلي عن الحركات المسلحة ليس قرارًا عسكريًا بحتًا، بل هو استجابة مباشرة لتوجيهات الحركة الإسلامية التي تسعى لإقصاء أي منافسين على السلطة. فالإسلاميون الذين يسيطرون على مفاصل الجيش يدركون أن استمرار دعم الحركات المسلحة قد يمنحها نفوذًا سياسيًا مستقبليًا، وهو ما يتعارض مع مخططهم للاستئثار بالحكم. لذلك، جاء هذا القرار كجزء من ترتيبات أوسع تهدف إلى تصفية المشهد السياسي لصالح الإسلاميين، وتحويل الجيش إلى أداة قمعية تخدم أجندتهم وحدهم.

نظرة الجيش للحركات المسلحة: ميليشيات للبيع والشراء

لم يُخفِ الجيش يومًا نظرته للحركات المسلحة ككيانات قابلة للشراء والتوجيه بالمال، وليس كقوى تمتلك مبادئ أو قضية وطنية. فقد تعامل معها بمنطق المرتزقة الذين يمكن استئجارهم في أوقات الحاجة، والتخلي عنهم عند انتفاء الحاجة لهم. هذه العقلية الاستغلالية تظهر بوضوح في طريقة إدارة العلاقة بين الجيش وهذه الحركات، حيث لم تُعامل كشركاء في منظومة وطنية، بل كأدوات مؤقتة لخدمة أهداف محددة.

التمييز القبلي والتهميش المتعمد

يُضاف إلى ذلك أن الجيش، الذي يسيطر عليه ضباط من خلفيات محددة، ينظر إلى الحركات المسلحة بعين قبلية، معتبرًا أنها امتداد لمجموعات من دارفور لا يمكن الوثوق بها. هذا التوجه العنصري يعكس استراتيجية الجيش في إقصاء أي قوة ذات طابع إقليمي، ورفض دمجها بشكل كامل في المؤسسة العسكرية خوفًا من أن تتحول إلى كيان مستقل يصعب السيطرة عليه. فالتعامل مع الحركات المسلحة لم يكن يومًا على أساس وطني، بل كان يخضع لمعادلات قبلية ومناطقية تكرس التمييز والإقصاء.

جيشٌ بلا ثقة: هل هم سودانيون أم غرباء؟

واحدة من أخطر ممارسات الجيش تجاه الحركات المسلحة هي النظرة الدونية لها، واعتبارها قوات غير سودانية لا يمكن الوثوق بها. هذه العقلية لم تأتِ من فراغ، بل تغذيها العقلية المركزية التي ترى أن القوة والسلاح يجب أن يكونا في يد الجيش وحده، وأن أي قوة أخرى هي تهديد يجب القضاء عليه. الجيش، الذي لم يكن له أي تحفظ على تسليح هذه الفصائل في بداية الحرب، اليوم يُعيد إنتاج خطاب التخوين، في محاولة لتبرير تهميشها وإقصائها.

 الجيش خادم الإسلاميين والعدو الأول للتحول الديمقراطي

قرار هيئة الأركان بوقف تجنيد الحركات المسلحة ليس إلا فصلاً جديدًا من فصول تلاعب الجيش بالقوى المسلحة، وخضوعه التام لإملاءات الإسلاميين. فبعدما أُنهكت هذه الفصائل في معارك لا تخصها، تُركت لمصيرها، بينما يستعد الجيش لإعادة إنتاج حكم الإسلاميين بصيغة جديدة. هذه الخطوة تكشف بوضوح أن الجيش السوداني لم يكن يومًا قوة وطنية تحمي الجميع، بل هو أداة قمعية تُستخدم لضمان بقاء فئة معينة في السلطة، ولو على حساب حلفائه السابقين.

إرسال تعليق

أحدث أقدم