في خضم الأزمة السودانية المستعصية، التي بلغت ذروتها بالصراع الدموي بين الجيش وقوات الدعم السريع، برزت شخصية الدكتور عبد الله حمدوك كصوت حكمة يسعى لإيجاد حلول سلمية ومستدامة. بعد أن تسلم منصبه كرئيس للوزراء في حكومة انتقالية، واجه حمدوك تحديات ضخمة تتعلق بتوحيد الصف الوطني وإنهاء النزاع المسلح الذي هدد بانهيار الدولة السودانية.
أولاً: الحشد السياسي والدبلوماسي
منذ اللحظات الأولى لتوليه منصبه، شرع الدكتور حمدوك في بناء جسور التواصل بين مختلف الأطراف السياسية والعسكرية. سعى لتوحيد جهود القوى المدنية والعسكرية بغرض التوصل إلى رؤية مشتركة تنهي الحرب وتحافظ على وحدة السودان. كان حمدوك حريصًا على إشراك جميع القوى السياسية بما فيها المعارضة والمجموعات المسلحة في عملية الحوار، لضمان أن تكون النتائج ممثلة لتطلعات الشعب السوداني.
ثانياً: الدور الإقليمي والدولي
لم تقتصر جهود حمدوك على الساحة الداخلية فحسب، بل امتدت إلى الساحة الإقليمية والدولية. أدرك حمدوك أن مفتاح الحل يكمن في الحصول على دعم المجتمع الدولي والإقليمي. لذلك، عمل على حشد التأييد من المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، والدول المجاورة التي لها تأثير مباشر على الساحة السودانية. كما كثف من جهوده للتواصل مع القوى الكبرى في المجتمع الدولي للحصول على دعمها السياسي والاقتصادي للمساهمة في إنهاء الحرب.
ثالثاً: المبادرات الإنسانية والاقتصادية
أدرك حمدوك أن التحديات الاقتصادية كانت أحد أهم أسباب الصراع، لذا بادر بإطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والإنسانية. عمل على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين من خلال استقطاب المساعدات الدولية، وتنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى تقليل الفقر وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. كما حاول تحسين العلاقة بين المدنيين والعسكريين عبر تعزيز الثقة من خلال إجراءات تحفيزية للطرفين.
رابعاً: مفاوضات السلام
خلال فترة ولايته، ركز حمدوك بشكل خاص على طاولة المفاوضات. كان يدرك أن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، ولذلك كرس جهوده لإقامة جلسات تفاوض مباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، برعاية دولية وإقليمية. كانت هذه المفاوضات معقدة ومليئة بالتحديات، لكن إصرار حمدوك على إيجاد حل سلمي جعله يستمر رغم الصعوبات.
عمل حمدوك على تبني سياسات تهدف إلى بناء الثقة بين الأطراف المتصارعة. من خلال تقديم مبادرات تعزز من وجود بيئة آمنة للحوار، مثل وقف إطلاق النار المؤقت، وإطلاق سراح المعتقلين، وتخفيف الحصار عن بعض المناطق، استطاع حمدوك أن يخلق نوعًا من التفاؤل بإمكانية الوصول إلى حل شامل.
رغم التحديات الكبيرة التي واجهها، فإن الدكتور عبد الله حمدوك استطاع خلال ستة أشهر فقط أن يخطو خطوات جادة نحو توحيد الصف السوداني وإنهاء الحرب. كانت جهوده تعكس رغبة صادقة في تحقيق سلام دائم واستقرار شامل في السودان. ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً، إلا أن ما حققه حمدوك خلال هذه الفترة القصيرة يظل إنجازًا يستحق التقدير والدعم من قبل الشعب السوداني والمجتمع الدولي.