منذ الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس
السيادة الانتقالي الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين
من اكتوبر الماضي ومن ثم الحديث عن التسوية السياسية لإنهاء الازمة
السياسية التي نتجت عن تلك الإجراءات، اصبحت جميع القرارات التي يتم
اتخاذها محل تشكيك ما بين انها قرارات طبيعية ام انها مرتبطة بمسألة
التسوية والاطار السياسي، وكانت السلطات قد نقلت ليلة أمس الاول المتهمين
في قضية انقلاب ٨٩م من مستشفى علياء العسكري إلى سجن كوبر، بعد مرور ما
يقارب العام على نقلهم الى المستشفى.
تساؤلات
فالقرار الذي قضى
بإعادة الرئيس المعزول عمر البشير ونائبه الأسبق بكري حسن صالح والقيادي
الإسلامي البارز العميد معاش يوسف عبد الفتاح ووزير الدفاع الأسبق عبد
الرحيم محمد حسين واللواء معاش محمد الطيب الخنجر ورئيس حزب المؤتمر الشعبي
د. علي الحاج ونائبه إبراهيم السنوسي، إلى مقر محبسهم بسجن كوبر القومي،
جعل هذا التشكيك يدور بما اذا كان القرار صائباً وامراً طبيعياً ام انه
احدى المحاولات لتحقيق التسوية السياسية.
وكانت هيئة الدفاع في القضية قد كشفت عن
معاناة البشير من تذبذب ضغط الدم بحسب التقارير الطبية التي أكدت حاجته
للرعاية الصحية المستمرة، لاسيما أنه لا يستطيع البقاء خارج المشفى لأكثر
من ساعتين، فضلاً عن إصابة بكري حسن صالح بمضاعفات في القلب خضع بموجبها
لعملية جراحية لتركيب دعامة في القلب نتيجة مضاعفات إصابته بـ (كورونا)،
الى جانب مضاعفات وعدم استقرار مستوى السكر لدى عبد الرحيم محمد حسين.
محاولات البقاء
ويرى المحلل السياسي ابراهيم ناصر ان القرارات من المستحيل قراءتها دون
اصطحاب التصريحات التي ادلى بها رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق اول
ركن عبد الفتاح البرهان أخيراً تجاه الحركة الاسلامية وحزب المؤتمر الوطني،
وقال: (ان البرهان يرى ان المجموعة الاسلامية ربما تكون عائقاً امام
التسوية التي طبختها السفارة الامريكية، وهو بصدد ابعاد كل المعيقات في ما
يخص كل ما يمكن ان يعيق تلك التسوية، لكن توقيته يصب في مصلحة التسوية التي
تجرى الآن، وامريكا طلبت من البرهان تشكيل حكومة قوية لاتصطحب معها التيار
الاخواني)، واضاف ناصر في حديثه لـ (الإنتباهة) ان البرهان يلعب سياسة
واضحة، بحيث يوظف كل الظروف والتخوفات الداخلية والخارجية لصالحه، ويحاول
ان يرسم بها مستقبل البلاد ويوظفها لمستقبل سياسي، واكد ان القرار يزيد
فرضية محاولات البرهان للبقاء في السلطة لفترة طويلة.
ضغوط أجنبية
وبحسب القيادي في حزب المؤتمر الشعبي وعضو هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية
مدبري انقلاب (89م) أبو بكر عبد الرازق، أن قرار نقل المتهمين في البلاغ
من المشفى الى سجن كوبر قرار سياسي وليس قضائياً، مشيراً الى عدم صدور أي
أمر لنقلهم حتى آخر جلسة في القضية التي كانت أمس الأول، وبحسب ما اكده عبد
الرازق في تصريحات ان قرار الاعادة قد أتى في سياق الضغوط الأجنبية وخطاب
حطاب، لافتاً الى انه لا يعني موكليه من الحزب الأمين العام للحزب علي
الحاج وامين الشورى ابراهيم السنوسي، وفقط يعني المؤتمر الوطني والحركة
الإسلامية التي يقودها علي كرتي، ورجح عبد الرازق ان يكون سبب هذا الاجراء
قطع التسوية السياسية التي يعتقدون ان المؤتمر الشعبي جزء منها.
مكافأة
ولكن القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار اكد ان المتهمين مكانهم الطبيعي
المحكمة الجنائية في لاهاي وليس سجن كوبر، باعتبار انهم متهمون بارتكاب
جرائم ضد الانسانية، وكان المأمول بعد الثورة من الحكومة الانتقالية
بالتشارك مع المكون العسكري ان تقوم بتسليمهم الى الجنائية انصافاً لضحايا
دارفور او تحقيق أحد مطالبهم، وأضاف قائلاً: (لكن كان ومازال هناك تواطؤ في
هذه المسألة وعدم رغبة في التسليم، وصراحة التواطؤ وعدم التسليم لديه
علاقة بملف الافلات من العقاب وعدم محاسبة المجرمين)، وتابع كرار قائلاً:
(الملف متعطل لأن المكون العسكري هو نفسه اللجنة الامنية العليا للنظام
البائد وانقلاب (٢٥) اكتوبر، وفي حقيقة الأمر ان ذلك يهدف الى اعادة انتاج
النظام البائد ولا يلغي هذه الحقيقة، واعادتهم الى السجن او خروجهم منه
سيان، فهؤلاء يمكثون في سجن (5 نجوم)، وبالتالي مازال المطلوب تسليمهم
للمحكمة الجنائية ومحاكمة بقية المجرمين)، واشار الى ان قرار اعادتهم
مكافأة لهم لجهة ان تسليمهم يجب ان يكون لمكان آخر، واضاف قائلاً: (كل
القرارات التي تصدر الآن تصب في تمرير التسوية اذا نظرنا الى جوهرها بدءاً
باعادة منسوبي المؤتمر الوطني واعادة النظام البائد، لذلك فإن ارجاعهم لا
يعني ان هناك قطيعة بين الوطني وانقلاب (٢٥) اكتوبر، بل هي محاولة لذر
الرماد في العيون).